news edu var comp
syria
syria.jpg
مساهمات القراء
عودة إلى الصفحة الرئيسية
 
الأرشيف
أرشيف المساهمات القديمة
مقالات
عزاؤنا أنّا ذاهبون وتبقى سورية ... بقلم : الدكتور المهندس محمد سليمان العبد

واحد.. اثنان.. عشرة.. مائة.. ألف.. ألف وخمسمائة وربما ألفان هو عدد الذين فقدتهم سورية من أبنائها، وربما يكون نصفهم من رجالات جيشها وقوى أمنها، وللأسف فإن العدد يزداد كل يوم جُمعة، فقطار الموت لازال يحصد المزيد من أرواحنا، يحصدها على أنغام نشرات قنوات الجزيرة وأخواتها، ونعيق غربان شيوخ ستار أكاديمي أمريكا، ونُباح مصاصي الدماء في أمريكا وأوروبا والعالم العربي والداخل السوري.


عجبي وعتبي على تلك الفئة من بني قومي التي لازالت لم تتحسس المؤامرة بعد ولم تستشعر الخطر على وطنها رغم كل تلك الدماء التي نزفت، والأرواح التي زُهقت، والأطراف التي قُطعّت، والعيون التي سُملت، ورغم كل ما هُّدم وخُّرب وحُّرق. وكأن هذا الدم لا يعنيه، ومن قُتل ليس بأخيه، وما خُّرب ليس قُوت فيه. أرجوكم يا بني قومي قفوا قليلاً مع أنفسكم، وانظروا شرقاً إلى العراق وسجن أبو غريب، وانظروا غرباً إلى ليبيا التي تأن تحت ساطور الناتو وجزاريه، لا أظنكم تريدون لنا المصير نفسه؟! ألا ترون كيف أن أهليكم في هذين البلدين يُذبحون كل يوم وليلة؟ وأن أمنهم وأرضهم ودمهم وعرضهم مستباح، يستبيح فيهما السيد الأمريكي والأوروبي كل شيء، إذ لا شيء يلجم آلة أطماعهم وشهواتهم ونزعاتهم العرقية الاستعلائية، فالحاضر كما التاريخ يشهدان لهم بذلك، فاعتبروا!!.

 

وعجبي من أبناء بلدي الذين درسوا في مدارس سورية وجامعاتها بالمجان نعم بالمجان، ثم أُوفدوا للدراسة العليا في دول الغرب على نفقة الدولة، ولكن ما أن وقعت سورية في محنة وتكاثرت عليها الضباع والكلاب، حتى عضوا اليد التي طالما مُدت إليهم وأداروا لسورية ظهورهم وراحوا بالتسول على أبواب السفارات طالبين اللجوء السياسي!! أإلى هذه الدرجة تسترخصون وطنكم وتبيعون أهلكم؟ ألم تسمعوا بحديث من قال، إن كان لكم دين "أن من لا خير فيه لأهله لا خير يُرجى فيه"؟ أُبارك لكم جنسياتكم الجديدة، أنتم تستحقونها بجدارة لأنكم دفعتم ثمنها ذُلاً وخيانة، ولكن أرجوكم عيشوا هناك، وموتوا هناك، وادفنوا هناك، ولا تعودوا إلينا، فترابنا حرام على من يخونه.  

 

عجبي وعتبي على أولي الألباب من أبناء بلدي الذين يحملون شهادات جامعية ولا زالوا يشككون بجيشهم وأمنهم وإعلامهم وأن لا مؤامرة هناك ولا يحزنون. وإن كان هذا حالكم يا أولي الألباب فلا عتب إذن على العوام!! أعجب لحالكم وأعتب عليكم لأنكم لازلتم تصورون جيشكم وأمنكم بآلة قتل ودمار، رغم ما أصابهم مؤخراً في جسر الشغور، إذ قُتّلوا وقُطّعوا ودُفن بعضهم أحياء ودفن البعض الآخر في مقابر جماعية، اهتز العالم لذلك إلا أولي الألباب هؤلاء، تراهم يحدثونك أن الجيش هو من قتل ومثّل وقصف ونهب وسرق!!! تسمعهم يرددون أخبار قنوات الجزيرة وأخواتها بلا أدنى تفكير أو مناقشة كأن تلك الأخبار قرآنا منزلاً لا يحتمل اجتهاداً ولا تأويلاً. ما جرى بالأمس في جسر الشغور ليس بالبعيد أيها السادة، فمن لم يرى منكم المؤامرة هناك، فليدفن نفسه حياً لأنه أعمى القلب والبصر. أنا لست من جسر الشغور حتى أحاججكم، ولكني سأحاججكم عن درعا لأني من سكانها، ودرعا بفضل الجزيرة وأخواتها صار حتى أوباما نفسه يمّيز فيها درعا البلد من درعا المحطة!! دعوني أذكّركم، هل تتذكرون كيف أن قنوات الجزيرة وأخواتها أصمّت آذاننا وأعمت عيوننا وأدمت قلوبنا بأخبارهم وتقاريرهم عن دخول الجيش إلى درعا؟ درعا التي قصفها جيشها بالدبابات والمدافع والهاون والطائرات!! فهدم أبنيتها وشوارعها وخزانات مياهها ومساجدها، نعم حتى المساجد لم تسلم من قبضة الجيش وآلة بطشه حسب زعم تلك المحطات!! ألا تذكرون كل ذلك يا أولي الألباب؟

 

يا أولي الألباب بالأمس سمح لي ظرفي أن أزور درعا البلد، تجولت في شوارعها وأسواقها، لم أرى أيّ من ذلك الدمار والهدم التي كانت تصوره تلك القنوات، كان أكثر ما رأيت آثاراً لطلاقات رصاصٍ على جدران بعض الأبنية تدل بوضوح على تبادل لإطلاق نار. وبعد تجوالي في الشوارع والأسواق ذهبت إلى الجامع العمري الذي وصفته الجزيرة وأخواتها أن الجيش قصفه وهدمه ونسف مئذنته، تجولت في بهوه وأروقته وغرفه القديمة، وأمعنت النظر ملياً في مئذنته المستطيلة الرائعة الشامخة، ولم أرى فيه أي هدمٍ أو أي أثرٍ لقصفٍ أو نسفٍ، فلعنتُ تلك القنوات وشكوتُ إلى الله كذبها وفجورها، ثم دخلتُ المسجد، فصليتُ على عجلٍ ركعتي تحية المسجد لأني أريد تفحص المسجد من الداخل، وما أن أنهيت صلاتي حتى رحت أجول النظر في جدرانه وأعمدته وسقوفه العتيقة الرائعة، كان كل شيء عادياً وقائماً فلا جدار مثقوب ولا عمود مكسور ولا سقف مقصوف ولا أرضية محفورة، وأثناء ذلك كان المصلون لازالوا يتوافدون زمراً وفراداً، وما أن حان وقت صلاة الظهر حتى أقام المؤذن صلاته، فصليت مع المصلين صلاة الظهر جماعة، وكنت أثناء صلاتي فرحاً مبتهجاً لأني ازددت حباً بوطني وجيشي إذ وقفتُ على الحقيقة بأم عيني، وما أن انتهت الصلاة حتى تبادل المصلون السلام والدعاء بالقبول، ثم خرجنا كما دخلنا بسلام جميعاً من ذلك الجامع العتيق الجميل. ومن لا يصدق ما أروي فدرعا البلد بشوارعها وأسواقها وبجامعها العمري تُرحب بكل من يبحث عن الحقيقة بعينيه، لذا زوروها واعتبروا يا أولي الألباب.  

 

إلى كل بني قومي الذين يعتقدون أن لا مؤامرة على سورية وأن الحديث عن مؤامرةٍ تهدد البلاد والعباد محض خيال.. إلى كل أبناء بلدي الذين يطالبون بالإصلاح قبل أمن الوطن وسلامته، إلى كل الذين لازالوا يشككون بجيشهم وأمنهم وإعلامهم ويؤلّهون الجزيرة وأخواتها ولا يعتبرون بأولئك الذين قدّموا استقالاتهم من الجزيرة، إذا كان لا يكفيكم آلاف القتلى حتى تقنعوا، ولا كل مَشاهد التنكيل والتمثيل بالجثث، ولا مناظر التخريب والتحريق، ولا تصريحات أوباما وأعوانه ولا جرائدهم وصحفهم ومحطاتهم، ولا تصريحات بعض وزرائهم وبرلمانيهم، إن كل ذلك لا يكفيكم حتى تقنعوا بالمؤامرة على بلدكم وعلى كل ما تحبون فيه، لا أملك سوى أن أقول لكم "عزاؤنا أننا جميعاً ذاهبون ويبقى الوطن".

 

2011-07-13
أكثر المساهمات قراءة
(خلال آخر ثلاثة أيام)
مساهمات أخرى للكاتب
المزيد