news edu var comp
syria
syria.jpg
مساهمات القراء
عودة إلى الصفحة الرئيسية
 
الأرشيف
أرشيف المساهمات القديمة
مقالات
رؤى إصلاحية من رحم الأزمة ... بقلم : الدكتور المهندس محمد سليمان العبد

من رحم الأزمة التي تمر بها سورية، ومن وحي الشارع، ومن مرأى أولئك المتظاهرين، ومن تلك الأمكنة التي يخرجون منها سيما في المدن الكبرى، قادني تفكيري إلى مجموعة مشاهدات من وحي الأزمة أضعها بين أيدي السادة أصحاب القرار:


•        الفساد: مع اعتقادي الشديد بوجود المؤامرة على سورية شعباً وأرضاً، فإني أعتقد بأن المؤامرة كالفيروس لا يمكن أن يتغلغل وينتشر في الجسم دون توفر البيئة المناسبة له، وأعتقد أن الفساد بكل أشكاله وصوره (لاسيما الفساد الأمني والديني والاقتصادي والقضائي) هو البيئة المناسبة لهذا المرض السرطاني. والفساد كما صوره السيد الرئيس في كلمته التوجيهية للوزارة الجديدة، كالبرميل المثقوب لا شيء يملأه... فكل سورية بمائها وترابها ومواردها لا تشبع ظمأ ذلك الإنسان الفاسد المفسد، فهو لا يهمه أن يدخل أي سلاحٍ يُقتل به ابن وطنه طالما جيوبه ملآى، لا يهمه خزائن وطنه طالما خزائنه ملآى، لا يهمه أن يفترش ابن وطنه الأرض ويلتحف السماء طالما بيوته كُثرٍ وبطونه ملآى.  

 

وإذا سُمح لي أن أقول رأيي، فإني أرى أن الحل الصيني للفساد هو الأنجع لأنه جعل الصين في غضون عقدين من الزمن ثاني قوة اقتصادية في العالم. فالصين (التي درست فيها قرابة عقدٍ من الزمن) تقدمت وازدهرت لأن سياستها الداخلية تقوم على محورين متوازيين هما الإصلاح ومحاربة الفساد والمفسدين مهما علا شأنهم. الحل الصيني لمحاربة الفساد، يقوم على مبدأ المحاسبة الفورية والعلنية لكل فاسد على مرأى ومسمع جميع وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة، فمحاكمة أي فاسد مهما عظم شأنه يشاهدها الصينيون على شاشة التلفزيون المركزي الأولى (CCTV1) التي تبث إلى كل بيت في الصين. وقد شاهدت بأم عيني مع ملايين الصينيين محاكمة محافظ بكين عام 2000 على شاشة التلفزيون، وكيف تم إعدامه ليكون عبرة لغيره. ألم يصرح قائد الوطن بأن ما أوصلنا إلى هذه المحنة هو تراكم الأخطاء. أليس الفساد بشتى صوره هو السبب الرئيسي وراء تراكم كل تلك الأخطاء؟ فيا حبذا لو يكون هناك محاسبة (فورية وعلنية) للفاسد المُفسد كي لا نصل إلى هذه المحنة مجدداً.

 

•        السكن العشوائي: بالنظر إلى أماكن خروج التظاهرات في دمشق، نلاحظ أن هذه التظاهرات تكثر في أماكن السكن العشوائي وأماكن مخالفات البناء، هذه الأماكن التي لا يدخلها نور ولا هواء أصبحت تشكل بؤراً لتفشي الجرائم وبالتالي تشكل عبئاً أمنياً واجتماعياً كما تشكل عبئاً إقتصادياً إذ تكثر فيها مخالفات البناء والكهرباء والماء والهاتف إلخ.

 

هنا أيضاً يمكن أن يقدم الحل الصيني نموذجاً لحل مشكلة هذه المناطق، فعندما وصلت شنغهاي عام 1993 كانت تكثر فيها مناطق السكن العشوائي والمخالفات، ولكن عندما تخرجت وغادرت شنغهاي عام 2000 كانت هذه المدينة، بتعداد سكانها الذي يفوق عدد سكان سورية، مدينة تكاد تخلو من مناطق السكن العشوائي وفوق ذلك ظهرت فيها أزمة لا تصدق (وجود شقق سكنية غير مسكونة) رغم تعدادها البشري الهائل!!. كيف عالجت الدولة ذلك في تلك الفترة الوجيزة؟ الدولة كانت تأتي إلى منطقة السكن العشوائي، تتفق مع أهالي المنطقة على بناء أبراجٍ سكنية لهم وجعل منطقة سكنهم منطقة منظمة ومُخّدمة كلياً بالحدائق والمحلات والشوارع والأرصفة وجميع البنى التحتية اللازمة، كل ذلك خلال فترة شهور تعد على أصابع اليد الواحدة. بعد ذلك تقوم الدولة على تأمين سكن مؤقت لهم في أحد الضواحي، ثم تبدأ بإزالة تلك المنطقة كلياً وبناءها من جديد، وحالما تنتهي من إقامة أبراج سكنية تعيد السكان إلى بيوتهم الجديدة في نفس الحي الذي كانوا فيه، وبذلك استفادت الدولة وتملكت مساحات جديدة نتيجة التحول من نمط السكن الأفقي إلى النمط الشاقولي واستغلت ذلك في بناء المزيد من الأبراج السكنية المنظمة استخدمت بعضها كمسكن مؤقت لمنطقة عشوائية أخرى يجري العمل على إزالتها وبنائها وتنظيمها، وهكذا تم العمل بنفس الطريقة على كل منطقة عشوائية للحصول على أبراج سكنية يجري بيعها لاحقاً أو تأجيرها بأسعار وقروض ميسرة، وبذلك ظهرت شقق سكنية فارغة لا يوجد من يسكنها في شنغهاي التي تعد واحدة من أكثر مدن العالم تعداداً بالسكان!! اسمحوا لي مجدداً أن أقول لو طبق ذلك على مناطق السكن العشوائي في بلدنا، فكم ستكون الفائدة كبيرة على وطننا عبر تأمين مناطق سكنية منظمة لأبناء وطننا، ووأد أوكار الجريمة في تلك المناطق، والقضاء على مخالفات البناء والكهرباء والماء والهاتف، وتوفير الكثير من فرص العمل، وبالتالي الحد/القضاء على مظاهر التظاهر والاحتجاج التي وإن حدثت فإنه يسهل التعامل معها في هذه المناطق المنظمة التي تؤمن التحرك الأمني السريع.     

 

•        الضرب في المدارس: من وحي الشارع ومن مرآى المتظاهرين، رأيت أنه في معظم التظاهرات كان جُلّ المتظاهرين من أبنائنا المراهقين، الذين انتجهم قانون منع الضرب في المدارس، هذا القانون الذي ذهب بتعليمنا وأبنائنا وبشخصية مُعلمنا، فلا احترام لعلمٍ أو معلمٍ أو حتى لولي أمر أو كبيرٍ ذي سن!!!. لماذا تم منع الضرب في المدارس؟ أليس الله سبحانه وتعالى الأدرى بصلاح البشر وسعادتهم هو الذي أوجد مبدأ الثواب والعقاب، مبدأ الترغيب والترهيب، مبدأ الجنة والنار... الثواب لمن أحسن والعقاب لمن أساء، فلماذا نبطل العمل بهذا المبدأ الإلهي وندمر أجيالنا ومستقبلنا بأيدينا. مُنع الضرب بين ليلة وضحاها، ونتج عن ذلك ظاهرة المدرس الخصوصي والمدارس الخاصة بل حتى الجامعات الخاصة، وبات لا طاقة للمواطن العادي على تحمل تبعات هذه الظاهرة وتكاليفها وأسعارها المرتبطة بالدولار والذهب وبترول أوبك!!! منعنا الضرب في مدارسنا وبات لا كلمة لأستاذ على طالبه، وربما لا كلمة لولي أمر على ابنه، ولا كلمة لكبير قومٍ على أبناء حارته، ففشل الكثير من أبناءنا وتركوا مدارسهم، ونزل بعض الأولاد الذين حبل بهم قانون منع الضرب إلى الشوارع متظاهرين يطالبون بالحرية، حرية يطالب بها مراهق!!!. حبذا لو جرى تقييم لهذا القانون من قبل المدرسين ومدراء المدارس أنفسهم لأنهم المعنييين بالعملية التدريسية فهم الذي يُعلّمون وهم الذين يعيشون مع الطالب لذا هم أصحاب الكلمة في ذلك وليس المسؤول. فيا حبذا لو نجري تقييماً لهذا القانون ونرى أين أوصلنا دون الإكتراث بآراء العالم وطريقة عيشه المادية المحضة (سيما المجتمع الأمريكي والأوروبي الذي لا يعرف شيئاً عن الروابط الأسرية والعائلية وثقافة احترام الكبير)، فهذه بلدنا نبنيها بالطريقة التي نريد نحن والتي تضمن لنا العزة والرفعة وتنسجم مع قدر سورية المقاوم. علماً أن تقييم القانون لا يقل أهمية عن القانون نفسه، فلماذا لا يتم تقييم هذا القانون وغيره من القوانين التي تُسن لنعرف مدى نجاعتها من عدمه؟

 

أعتذر منكم حاضرات السادة المسؤولين لأخذي بعضاً من وقتكم، ولكن يشفع لي أني أحب وطني وأحرص على أمنه وأمانه... لأجل ذلك فإني أضع بين أيديكم ما رأيت.

2011-08-26
أكثر المساهمات قراءة
(خلال آخر ثلاثة أيام)
مساهمات أخرى للكاتب
المزيد