لنتكلم بواقعية وموضوعية عن التظاهر في سورية، نحن لا نعرف فلسفة التظاهر، ولم نتظاهر سابقاً، ولا نعرف كيف نتظاهر، فجأة رأينا أنفسنا متظاهرين في الشوارع، المتظاهرون و قوات الأمن وجهاً لوجه، أخطأ المتظاهرون وقوات الأمن لعدم معرفة أي منهم بفلسفة التظاهر، المتظاهرون لا يعرفون آداب وكيفية التظاهر، وقوات الأمن لا تعرف كيف تتعامل مع التظاهر ودعاته، وهذا ما أدى بالتالي إلى نزف دماء بريئة لها كل الرحمة والخلود.
الآن وقد تم اعتبار التظاهر على أنه حق للمواطنين، وتم إصدار قوانين تنص على السماح بالتظاهر السلمي وحمايته، لذا كي نتظاهر بشكل سلمي وحضاري يجب علينا مراعاة مكونات مشهد التظاهر السلمي الذي يتألف من المكونات التالية:
1. المتظاهرون: عليهم قبل كل شيء اختيار قادتهم وممثليهم وتحديد شعاراتهم التي سيطرحونها بكل وضوح وإيجاز بحيث تكون شعارات تخدم مصالحهم التي لا تتعارض مع مصلحة وأمن الوطن و المواطن الآخر، ثم عليهم تحديد مكان وزمان ومدة التظاهر، وأن يتعهدوا بعدم وجود عناصر مسلحة أو مخربة بينهم، بعد ذلك عليهم أن يحصلوا على موافقة الدولة لأخذ العلم وتأمين الحماية اللازمة للمتظاهرين أثناء التظاهر. وعلى المتظاهرين بعد تظاهرهم السلمي وتقديم مطالبهم التريث وإعطاء الجهات المعنية الوقت الكافي للنظر في المطالب وشرعيتها.
2. الممتلكات العامة والخاصة: على المتظاهرين النظر إليها بأنها ممتلكاتهم سواء كانت عامة أم خاصة، ويجب عدم التعدي عليها بأي حال من الأحوال، وأن التعدي لا يجوز منطقاً ولا أخلاقاً ولا شرعاً، وأن التعدي عليها بالتكسير والتحريق يترتب عليه تدخل قوى الأمن لفض التظاهر، كما يستوجب المحاسبة القانونية لكل من يتعدى على هذه الممتلكات.
3. قوات حفظ الأمن: على قوات الأمن التعامل مع المتظاهرين على أنهم أبناء جلدتهم، وأنهم غير متآمرين ينفذون أجندات خارجية، بل يجب عليهم متابعة مسيرة المتظاهرين خطوة لتأمين حمايتهم، والاطمئنان على عدم دخول عناصر مخّربة بين المتظاهرين، ومنع الاعتداء عليهم من قبل الآخرين الذين قد يعارضون مطالبهم، والحرص على أن المظاهرة تسير وفق برنامجها وما ألزمت نفسها به من شعارات و ضمانات وتعهدات بحماية الأرواح والممتلكات.
4. المواطنون غير المتظاهرين: على المواطنين من غير أولئك الذين يشاركون في المظاهرات عدم النظر إلى المظاهرات السلمية على أنها مصدر خطر على حياتهم وممتلكاتهم، وأن المتظاهرين مرتزقة ومأجورين يجب على قوات الأمن قمعهم بأية طريقة. بل يجب النظر إليهم أنهم مثلهم في الوطنية لهم مطالب و حقوق قد تكون منسية ومغيبة، وأنهم تظاهروا لتحقيقها.
5. الإعلام: يجب على وسائل الإعلام المرئية والمقروءة والمسموعة عدم التعامل مع المتظاهرين على أنهم من كوكب آخر، وأنهم ظاهرة لحظية عابرة لا تستدعي الانتباه والتغطية الإعلامية وإن قلت أعدادهم، بل يجب على أدوات الإعلام التعامل مع التظاهر السلمي على أنه ظاهرة فعالة قادرة على التغيير الإيجابي، ويتحتم عليها تغطية التظاهر بشفافية و موضوعية.
إذا تمت مراعاة مكونات مشهد التظاهر هذه، فإننا نضمن تظاهراً حضارياً بكل معنى الكلمة، تظاهراً يحقق المطالب دون حدوث عنف أو شغب أو تعدي على الممتلكات أو نزف في الدماء والأرواح. وأعتقد أننا في سورية أصبح لزاماً علينا تقبل التظاهر السلمي والتعايش مع هذا المولود الجديد، وأيضاً بات يتحتم علينا استثمار و تطبيق التظاهر بشكل إيجابي وفعال، إذ أنه في الدول المتقدمة ينظر إلى هذا النوع من التظاهر على أنه مستشار مجاني يقدم استشارة مجانية للحكومات، ولا ينظر إليه على أنه ظاهرة سلبية مرضية يجب استئصالها.