كثر في الآونة الأخيرة المبشرون بانهيار الاقتصاد السوري و الليرة السورية و يبدو أن هذه الإشاعة يراد بها التأثير على الواقع الاجتماعي لسورية و تحقيق نوع من الضغط أو نوع من العقوبات من المعارضة على الشعب ( وليس النظام) وباعتبار أن العقوبات الدولية أتت مخيبة لآمال المعارضة و باعتبار أن الشعب أصبح عدوهم كونه لم يستجب لدعواتهم المريضة, أحيانا نشعر أن المعارضة تريد ليس إسقاط النظام فحسب نشعر أنها تريد إسقاط الشعب السوري ككل و نلاحظ هذه الرغبة الجامحة بتدمير الوطن من خلال متابعة ما يقولون عبر وسائل إعلامهم القميئة و المقرفة , لا شيء يدعو للغثيان و القرف أكثر من مشاهدة أبناء وطن معين يسعون بشكل محموم لتدمير وطنهم .
لاحظنا أنهم لا يستندون على أي مرتكز علمي في استشرافهم المستقبل بما يتعلق بالاقتصاد السوري و يمكن أن يفسر ذالك إما بغرابتهم عن الاقتصاد السوري أو بأنهم محكومين بأجندة خارجية هدفها التهويل و نشر الذعر و عدم الاستقرار و تحطيم الروح المعنوية للشعب.
بالنسبة للاقتصاد السوري فهو اقتصاد منغلق و البعض يعتبرون هذه الانغلاق نوع من السلبية أو نوع من نقطة الضعف و لكن في الحقيقة يعتبر هذا الانغلاق من أركان قوة الاقتصاد السوري فقد صمم الاقتصاد على الموائمة بين تلبية حاجات الأفراد و بين تحقيق الاستقلال السياسي منذ فترة الثمانينات و حتى محاولات الانفتاح كلها تمت بشكل مدروس و مقيد .
لا يوجد في سورية سوق للأوراق المالية أو سوق للأوراق النقدية على نطاق واسع و بالتالي لا أحد يستطيع أن يضارب و يعبث بالعملة الوطنية أو برأس المال القومي .
هناك تقييد صارم على حركة رؤوس الأموال و حركة تحويل الأموال وحركة تبديل العملات بشكل أوتوماتيكي .. فالمصارف الأساسية في سورية هي ملك للدولة أما المصارف الخاصة والتي أخذت شكل شركات صرافة أكثر من شكل مصارف حسب المعايير الدولية ,, فهي مقيدة بقيود بقوانين و إجراءات صارمة و يجب أن لا ننسى أن هذه المصارف مرتبطة عضويا بالمصرف المركزي الذي هو ملك للدولة أيضاً.
بالنسبة للكتلة النقدية الموجودة في البلاد (بالليرة السورية ) تقسم هذه الكتلة إلى قسمين ..نقود مخصصة للاستهلاك و نقود مخصصة للادخار .بالنسبة للنقود المخصصة للاستهلاك فهي موجودة في أيدي المواطنين العاديين و الذين لا يملكون رؤوس الأموال و هؤلاء لن يقوموا بتهريب رواتبهم إلى لبنان هذا شيء مؤكد ....أما النسبة للنقود المخصصة للادخار فهي أغلبها موجود في المصارف التابعة للدولة ..أو المصارف الخاصة المسيطر عليها من قبل الدولة (بغض النظر عن ملكية هذه الأموال).و بالتالي تستطيع الدولة ( النظام) التأثير على حركة هذه الأموال بعدة وسائل.
بقي فقط النقود المخصصة للادخار الموجودة في أيدي رجال الأعمال ( الكاش)..لنفرض أنه قام قسم منهم بالهرب بهذه النقود ماذا سيؤثر ذالك على الاقتصاد القومي ؟؟ إن هذه النقود هي في الأساس خارج التداول و لن يؤثر خروجها على الاقتصاد بشكل ملموس بل على العكس لو أنه تم طرح هذه النقود للتداول لكان حصل نوع من زيادة غريبة في الطلب على السلع الاستهلاكية مما يؤدي إلى التضخم .....و حتى لو حصل هذا التضخم فهو حل لمشكلة البطالة من المعروف أن معدل البطالة يتناسب عكسا من معدل التضخم.
بالنسبة للعقوبات الأوربية و التركية حديثا و موضوع عدم شراء النفط من سورية الذي سيؤثر على مخزون القطع الأجنبي في المصارف السورية (حيث اضطرت الحكومة لتقييد عملية منح إجازات الاستيراد )هذا العقوبات ضعيفة التأثير لأن النفط هو بحد ذاته سلعة شبه كاملة السيولة وهناك المئات من الشركات التي لم تعترف بالعقوبات التي تستطيع شراءه و إعادة بيعه لطالبيه في أي مكان في العالم و تزويد الخزانة بالقطع الأجنبي..
بالنسبة للقطاع الصناعي في سورية وهو قطاع حيوي في أي اقتصاد حتى لو كان متخلفاُ, سيستفيد من موضوع تقييد حرية الاستيراد بشكل مؤكد خصوصا قطاع الألبسة و مواد البناء و الإكساء و أي صناعة أخرى تضررت من عملية فتح الأسواق للسلع الأجنبية ( خاصة التركية). و من المعروف أنه حتى لو كانت كلفة استيراد سلعة ما أقل من كلفة تصنيعها محليا تظل السلعة المحلية مستحقة الدعم و أكثر خدمة للاقتصاد الوطني لأن نسبة مساهمة صناعة و بيع سلعة محلية في الدخل القومي أكبر بكثير من نسبة مساهمة استيراد نفس السلعة و بيعها في السوق حتى لو كان هامش الربح أكبر في الحالة الثانية .
أما القطاع الزراعي عامود الاقتصاد السوري فعلى ما يبدو سينتعش هذه السنة فلم يكد يبدأ شهر أيلول بالتقويم الشرقي حتى هطلت الأمطار مما جعل المزارعين يستبشرون خيراً هذه السنة ناهيك عن ارتفاع منسوب المياه الجوفية في السنة الفائتة بسبب تجاوز الكثير من المناطق المعدل السنوي للهطول ..من المؤكد أن هذه المقالة المليئة بالأخبار الجيدة و التي تبعث على التفاؤل ستكون ( حسب النظرية النسبية لأنشتاين ) ( Theory of relativity ) ستكون محببة لكن من يحب وطنه سوريا و ستكون ثقيلة الدم ومكروهة لكل من يكره وطنه ( بغض النظر إذا كان من المولاة أو المعارضة ) فأي الشخصين أنت ؟؟؟